أحال رئيس الحكومة على المجلس التأسيسي بتاريخ 27 جويلية 2012 مشروع قانون متعلّق بالهيئة المستقلّة للإنتخابات التّي ستُعهد إليها مهمّة تنظيم الإنتخابات التشريعيّة والرئاسيّة القادمة وفق ما سينتهي إليه خيار المجلس التأسيسي بشأن طبيعة النّظام السياسي في تونس.
في يلي رابط نصّ مشروع القانون
دون الخوض في التفاصيل, هناك نقطتان تثيران الإهتمام :
أوّلا : المشروع المقدّم من قبل رئيس الحكومة يبدو وكأنّه اِستبق الأحداث وأقرّ صلب مشروع القانون بعزم حركة النهضة وحلفائها على فرض نظام برلماني في تونس مع اِفتراض ثنائية هيكليّة على رأس السلطة التنفيذيّة كلّ ذلك قبل أن يقول المجلس التأسيسي كلمته في طبيعة النّظام السياسي والتنظيم الهيكلي داخل السلطة التنفيذيّة.
والدّليل على ذلك أنّ مشروع القانون يتحدّث عن " الهيكل المكلف بالسلطة التشريعيّة " وعن " رئيس الجمهوريّة " و خاصّة عن " رئيس الحكومة " والحال أنّ هذه المصطلحات تفيد أنّ الإطار التنظيمي للسلطة يقوم على أسس النّظام البرلماني الذّي يفرز البرلمان في إطاره حكومة على رأسها رئيس حكومة عادة ما يكون رئيس الحزب الحائز على أغلبيّة في البرلمان علما وأنّ تسمية " رئبس الحكومة " تعني ضرورة وعمليّا ممارسة رئيس الحكومة لجانب هامّ من السّلطة التنفيذيّة في حين تكون لرئيس الدّولة صلاحيّات محدّدة دون أن يمنع ذلك أن تكون تلك الصلاحيّات غير ذات أهميّة ضمانا للتّوازن داخل السلطة التنفيذيّة وهو عكس ما أقرّه التنظيم المؤقّت الحالي للسّلط العموميّة.
ويتأكّد هذا الفهم لمشروع القانون بالوضع الدستوري والسياسي الحالي في تونس إذ أنّ الإصرار على فرض مؤسسة رئاسة الحكومة ليس إلاّ إقرارا من حركة النهضة بنيّتها المُعلنة صلب لجان المجلس التأسيسي بشأن فرض نظام برلماني في الدّستور المزمع سنّه وذلك ضمانا لمحافظة الحركة على صدارة المشهد السياسي من خلال التحكّم في دواليب السلطة سواء داخل المجلس التشريعي أو البرلماني أو من خلال الهيمنة على رئاسة الحكومة وتشكيلتها طالما كان الأصل في النّظام البرلماني أن تكتسب الحكومة في شخص رئيسها ثقة البرلمان.
ثانيا : الملاحظة الثانية التّي تثير الإنتباه في مشروع قانون الهيئة المستقلّة للإنتخابات هي تلك المتعلّقة باليمين التّي يؤدّيها أعضاء الهيئة أمام رئيس الجمهورية والمنصوص عليها بالفصل 8 من مشروع القانون الآتي نصّها : " أقسم باللّه العظ يم أن أقوم بمهامي بتفان وصدق وإخلاص وأن أعمل على ضمان اِنتخابات حرّة ونزيهة وأن أؤدّي واجباتي باِستقلاليّة وحياد واللّه على ما أقول شهيد. "
هذا الفصل يفترض في فلسفته العامّة أنّ أعضاء الهيئة تونسيّون من ذوي الدّيانة الإسلاميّة أو على الأقلّ من أهل الكتاب نظرا لتكريس مبدإ التوحيد رغم أنّني لا أعتقد أنّ حركة النهضة محرّرة مشروع القانون تقبل بذلك.
إذا كان القصد من محتوى القسم المذكور حصر عضويّة الهيئة على التونسيّين المسلمين فما مدى تلاؤم ذلك مع صفة المواطنة التي تفترض عدم الميز بين المواطنين على أسس الفكر والعقيدة ؟
يُطرح السّؤال إذا في هذا الخصوص حول وضعيّة التونسيّ غير المسلم أو غير المنتمي لدين أصلا تجاه حقّه كمواطن في الترشح لعضويّة الهيئة المستقلّة للإنتخابات.