التصريح بالمكاسب من قبل أعضاء الحكومة : حقّ النفاذ للمعلومة يضمن إفشاء صفة الوزير الذّي لم يصرّح


سرّية التصريح على الشرف بالمكاسب من قبل أعضاء الحكومة لا تنطبق على من لم يقم بالتّصريح والحقّ في النّفاذ للمعلومة يبقى مضمونا


     هل قام أعضاء الحكومة التونسية بالتصريح على الشرف بشأن ممتلكاتهم لدى دائرة المحاسبات طبقا لأحكام القانون عدد 17 لسنة 1987 المؤرّخ في 10 أفريل 1987والمتعلّق بالتصريح على الشرف بمكاسب أعضاء الحكومة وبعض الأصناف من الأعوان العموميّين [1] ؟

سؤال لا يملك الإجابة عنه إلاّ رئيس الحكومة أو رئيس دائرة المحاسبات أو في أحسن الأحوال أعضاء الحكومة أنفسهم من خلال إشهار تصاريحهم بصورة تلقائية على الأنترنات أو عبر الصحافة أو عبر الرائد الرسمي.

في اِنتظار ذلك وبالرّجوع إلى القانون المتعلّق بالتصريح على الشرف بالمكاسب يتبيّن أنّ التصريح بالمكاسب من عدمه مُحاط بهالة من السريّة التّي وإن كان يمكن تفهّمها بالنّظر إلى تاريخ صدور القانون عدد 17 لسنة 1987 فإنّها أصبحت اليوم في تونس منافية صراحة لحقّ المواطن التونسي في الشفافية والنفاذ للمعلومة في إطار تنظيم سياسي وإداري يمارس الحوكمة الرشيدة والمفتوحة على أرض الواقع ولا يكتفي برفعها كشعار .

من المؤسف الإقرار صراحة بأنّ تحجير إطلاع عموم المواطنين من قبل رئيس دائرة المحاسبات, على المعلومات المضمّنة بتصاريح أعضاء الحكومة على أملاكهم, يُعتبر أمرا ثابتا من الناحية القانونية لأنّ التحجير ورد صريحا صلب الفصل 5 من القانون عدد 17 لسنة 1987 كما يلي : " يحجّر إطلاع الغير على المعلومات المضمّنة بالتصاريح ..... ويعاقب كلّ مخالف وفقا لأحكام الفصل 109 من المجلّة الجزائية. "

وبالرّجوع إلى الفصل 109 من المجلّة الجزائية يتبيّن أنّه يُقرّ صراحة عقوبة بسنة واحدة سجنا في حقّ الموظّف العموميّ الذّي " بدون موجب ينشر ما فيه مضرّة للدّولة أو لأفراد النّاس من كلّ كتب اِؤتمن عليه أو حصل ل  به علم بسبب وظيفته أو يطلع عليه غيره. والمحاولة موجبة للعقاب."

على ضوء هاته المعطيات القانونية يتبيّن أنّه من غير الممكن قانونا مطالبة دائرة المحاسبات مباشرة بالكشف عن تصاريح موظّفي الدولة المعنيّين بواجب التصريح  طالما كان موضوع المطلب الموجّه لدائرة المحاسبات سيُفضي إلى إتيان فعل إجرامي على معنى الفصل 109 من المجلّة الجزائية.
في إطار منظومة قانونيّة مجعولة لزمن غير الذّي نعيشه الآن يجب البحث عن آفاق قانونية أرحب تمكّن على الأقلّ من معرفة هويّة من رفض التصريح بمكاسبه من بين أعضاء الحكومة طالما كان النّفاذ للبيانات بخصوص من صرّح وبماذا صرّح غير ممكن في إطار القانون المنطبق حاليّا.


*  المطالبة بحقّ النفاذ للبيانات التّي لم يمنع القانون نشرها

من النّاحية القانونية يمكن الإقرار بأنّ الفصل 5 من القانون عدد 17 لسنة 1987 يحجّر إطلاع الغير على المعلومات المضمّنة بالتصاريح وهو تحجير موجّه أساسا للجهة الإدارية المتعهّدة بتلقّي التصاريح و بالتالي فإنّ التحجير لا يكون له معنى من الناحيتين الواقعية والقانونيّة إلاّ إذا وقع التصريح فعليّا بالمكاسب وهنا يُطرح السؤال الآتي : ما ذا لو لم يقع التصريح بالمكاسب في الآجال القانونية لدى دائرة المحاسبات ؟ هل يمكنها رفض نشر المعلومات المتعلّقة بمن لم يقم بالتصريح من بين موظّفي الدّولة المعنيّين بذلك ؟

التحجير المذكور ينطبق على معلومات موجودة ولا ينطبق على معلومات غير متوفّرة لدى دائرة المحاسبات وبالتالي فإنّ المعلومة التّي بحوزتها والمتعلّقة بهويّة أو صفة من لم يقم بالتّصريح هي معلومة غير معنيّة بالتحجير صلب القانون عدد 17 لسنة 1987  وغير سريّة وغير محميّة بالقانون لأنّها لا تتأسّس على كتب أو وثيقة تمسكها الجهة الإدارية المعنيّة بتلقّي التصاريح بل هي معلومة إحصائيّة يقع التوصّل إليها منطقيّا من خلال اِستثناء الأشخاص القائمين بالتصريح في الآجال القانونيّة ثمّ تحرير قائمة في صفات الأشخاص الذّين لم يقوموا بالتصريح الوجوبيّ.

الأمر إذا في هذه الحالة لا يتعلّق بإفشاء وثيقة سريّة أو بيانات غير موجودة أصلا وإنّما لا يتعدّى مجرّد القيام بمعاينة لواقعة قانونية متمثّلة في عدم التصريح من قبل أشخاص محمولين بحكم القانون عدد 17 لسنة 1987 على التصريح تلقائيّا بمكاسبهم, هي إذا معاينة لأمر سلبيّ متمثّل في عدم التّصريح.

من هذا المنطلق وفي غياب نصّ صريح يقضي بتحجير نشر المعلومة بخصوص من لم يقم بالتصريح على المكاسب وعملا بمبدإ التأويل الضيّق للنصّ الجزائي (أي الفصل 109 من المجلّة الجزائية) وعملا بالمبدإ العامّ للقانون المتعلّق بوجوب تأويل الإستثناءات تأويلا ضيّقا طبقا للفصل 534 من مجلّة الإلتزامات والعقود القائل بأنّه " إذا خصّ القانون صورة معيّنة بقي إطلاقه في جميع الصّور الأخرى",  فإنّه لا يوجد أيّ مانع قانوني يحول دون تقديم دائرة المحاسبات للمعلومة عندما يُطلب منها ذلك بشأن أعضاء الحكومة الذّين لم يقوموا بالتصريح على المكاسب طبقا للقانون عدد 17 لسنة 1987.

تأسيسا على ما سبق فإنّه يمكن القيام بتقديم مطلب نفاذ للوثيقة الإدارية التّي يمكن لدائرة المحاسبات إعدادها تحت الطّلب والمتمثّلة في قائمة أعضاء الحكومة الذّين لم يقوموا بالتصريح على المكاسب وهي وثيقة بوسع دائرة المحاسبات إنشائها وفق البيانات الحصريّة  التّي بحوزتها بوصفها الهيكل العمومي الماسك للمعلومة.

يتمّ تقديم المطلب في الغرض لرئيس دائرة المحاسبات بتونس العاصمة عبر البريد بموجب رسالة مضمونة الوصول مع الإعلام بالبلوغ  أو مباشرة ومقابل وصل, كلّ ذلك عملا بأحكام الفصلين 3 و 10 من المرسوم عدد41 لسنة 2011 المؤرخ في 26 ماي 2011 والمتعلّق بالنّفاذ إلى الوثائق الإدارية للهياكل العمومية.
علما وأنّ دائرة المحاسبات وبالرّغم من كونها محكمة إلاّ أنّها تقوم بدور هيكل إداري عمومي في هذه الحالة في إطار تنفيذها لمهمّة تلقّي التصاريح على المكاسب طبقا للقانون عدد 17 لسنة 1987.

تجدر الإشارة أيضا إلى أنّ المرسوم عدد 41 لسنة 2011 المؤرخ في 26 ماي 2011 والمتعلّق بالنّفاذ إلى الوثائق الإدارية للهياكل العمومية لا يستثني هذا النوع من مطالب النفاذ للمعلومة للأسباب التالية :

أوّلا : أنّ المعلومة المطلوبة غير موجودة أصلا صلب وثيقة تحت تصرّف الهيكل العمومي المعني بالأمر.
ثانيا : أنّ المعلومة المطلوبة لا تدخل في أيّ حالة من الإستثناءات القانونية للنفاذ والواردة صلب الفصلين 16 و 17 من المرسوم عدد 41 لسنة 2011.

ثالثا : أنّ المعلومة المطلوبة لا يحقّ للهيكل العمومي المعني (أي دائرة المحاسبات) رفض تقديمها لطالبها لأنّ عدم إفشاء المعلومة في هاته الحالة يمكن أن يتسبّب في التستّر على جريمة كما يُخشى منه  خطر وقوع إرتشاء أو سوء تصرّف في القطاع العمومي مثلما نصّ على ذلك الفصل 18 من المرسوم عدد 41 لسنة 2011 الآتي نصّه : الفصل 18 ـ " لا تنطبق الاستثناءات المنصوص عليها بالفصل 17 من هذا المرسوم  :

 ـ على الوثائق التي أصبحت جزءا من الملك العامّ .....
ـ على الوثائق الواجب نشرها بغاية الكشف عن الانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان أو جرائم الحرب ....

ـ عند وجوب تغليب المصلحة العامة على المصلحة المزمع حمايتها لوجود تهديد خطير للصحة أو السلامة أو المحيط أو جراء خطر حدوث فعل إجرامي أو ارتشاء أو سوء تصرف في القطاع العمومي."

وفي الأخير تجدر الإشارة إلى خطر وقوع فعل إجراميّ المذكور صلب الفصل 18 المذكور هو خطر ممكن وجدّي لأنّ عدم التصريح بالمكاسب طبقا للقانون عدد 17 لسنة 1987 من قبل أعضاء الحكومة وغيرهم من المعنيّين بهذا الواجب القانونيّ يُعتبر عدم اِمتثال مُتعمّد لما أمرت به القوانين وهو فعلة مُكوّنة لجريمة يعاقب مرتكبها بخمسة عشر (15)  يوما سجنا طبقا للفصل 315 من المجلّة الجزائية الذّي ينصّ على أنّه " يعاقب بالسجن مدّة خمسة عشر يوما وبخطيّة ... :
-         أوّلا : الأشخاص الذّين لا يمتثلون لما أمرت به القوانين والقرارات الصّادرة ممّن له النّظر. "

واجب التصريح التلقائي يفترض أن يقع القيام به على الشّرف فإن تعذّرت رؤية هلال الشّرف لا يبقى أمام المواطن غير القانون ... لأنّ القانون ملاذ الجميع.



[1]  الرائد الرّسمي عدد 27 الصّادر بتاريخ 14 أفريل 1987, الصفحة عدد 507.

Leave a Reply