ما ذا يقول القانون التونسي بشأن الكتاب الأسود لصاحبه أمير أمراء إفريقيا المنصف المرزوقي المفدّى ؟
الثّابت من الناحيتين الشكلية و الهيكلية هو أنّ الكتاب وقع إعداده اِنطلاقا من أرشيف عمومي تكوّن عبر السنين بواسطة موظّفين و هياكل عمومية باِستعمال المال العامّ.
لن أتطرّق إلى الجانب الجزائي لأنّ الكتاب الأسود يُشكّل جريمة بكلّ المقاييس القانونية و الأخلاقيّة.
هناك فصول في مجلّة الإلتزامات و العقود و مجلّة الأحوال الشخصيّة تعطي بعدا هزليّا لما أتاه أمير قصر قرطاج من خلال إصدار هذا الكتاب :
السفيه : بالمعنى القانوني للكلمة حسب الفصل 164 من مجلّة الأحوال الشخصيّة فإنّ السّفيه هو : " الذّي لا يُحسن التصرّف في ماله و يعمل فيه بالتبذير و الإسراف ".
إذا اِعتبرنا أن ميزانية رئاسة الجمهورية مجعولة لتمويل كتاب كهذا الكتاب الأسود فنحن شعب سفيه بالمعنى القانوني. أمّا إذا اِعتبرنا أنّ تمويل الكتاب الأسود لا يجوز أن يتحمّله المال العامّ في هذا الظّرف العصيب فإنّ المتصرّف في ميزانيّة رئاسة الجمهورية يكون سفيها على معنى الفصل القانوني المذكور.
ويجدر التذكير أيظا بالتعريف القانوني لضعيف العقل لأنّه يفيد في فهم الأبعاد المرضيّة و النفسانية للكتاب الأسود. حسب الفصل 160 من مجلّة الأحوال الشخصيّة : " ضعيف العقل هو الشخص غير كامل الوعي السيّئ التدبير الذّي لا يهتدي إلى التصرّفات الرّائجة و يُغبن في المبايعات ".
كما يجدر التذكير يتعريف المجنون الوارد في نفس الفصل : " المجنون هو الشخص الذي فقد عقله سواء أكان جنونه مُطبقا يستغرق جميع أوقاته أم متقطّعا تعتريه فترات يثوب إليه عقله فيها. "
ألا بعد هذا القول قول ؟
يصعب الإختيار بين المفاهيم المُستعرضة لأنّها تفي بالغرض لتوصيف الوضع.
أمّا بخصوص مجلّة الإلتزامات و العقود فهي تنصّ في باب المبادئ العامّة للقانون على بعض الأحكام المنطقيّة التي تتقاسمها البشريّة جمعاء منذ آلاف السنين. من بين هاته المبادئ سنكتفي بــ :
- الفصل 539 : إذا صرّح القانون بالنهي عن شيئ مُعيّن كان إتيانه باطلا لا ينبني عليه شيئ ". الكتاب الأسود بُني على إستعمال باطل للأرشيف و بالتالي فهو باطل من أساسه شكلا و مضمونا.
- الفصل 548 : " ما يصدر من شخص لا يكون حُجّة له ".
- الفصل 551 : " لا يجوز لشخص أن يمنح غيره أكثر ممّا لنفسه من الحقوق ". منطق غنيمة السلطة و المساومة بالأرشيف.
- الفصل 555 : " التعدّي على شخص لا يكون وجها له في الإضرار بغيره ". منطق العدالة الإنتقاميّة و منطق الضحيّة التّي تُصبح على شاكلة جلاّدها.
والسّلام